فصل: مسألة المولى عليه هل تجوز شهادته وهو عدل:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة المولى عليه هل تجوز شهادته وهو عدل:

وسئل عن المولى عليه، هل تجوز شهادته وهو عدل؟
فقال: إن كان عدلا فماله لم يدفع إليه ماله؟ قيل له: هو عدل وشهادته نزلت، فقال: إن كان عدلا جازت شهادته.
قال محمد بن رشد: مثل هذا في كتاب ابن المواز لمالك من رواية ابن عبد الحكم عنه، وهو على قياس المعلوم من قول ابن القاسم في ترك الاعتبار بالولاية على اليتيم البالغ في جواز أفعاله وردها، والذي يأتي على المشهور في المذهب المعلوم من قول مالك وأصحابه في أن المولى عليه لا تنفذ أفعاله وإن كان رشيدا في جميع أحواله ألا تجوز شهادته، وإن كان مثله لو طلب ماله أعطيه، وهو نص قول أشهب في المجموعة، ونحو قوله في سماع أصبغ من كتاب النكاح أنه لا يكون وليا في النكاح، وإن كان عدلا، وقد حكى ابن حبيب في الواضحة عن مالك وأصحابه أن القاضي إذا حكم بشهادة المولى عليه أو العبد ثم انكشف ذلك بعد الحكم ردت القضية، بخلاف إذا انكشف أنه مسخوط أو سفيه، وروى مثله أبو زيد عن ابن الماجشون، وقال أصبغ: إذا قضى بشهادته ثم تبين أنه مولى عليه مَارِقٌ فَاسِدٌ بَيِّنُ الفساد، أو مسخوط بين الفسق والفساد ردت قضيته كما ترد إذا تبين أنه عبد، والله الموفق.

.مسألة الشاهد يعدله رجلان ويأتي المشهود عليه برجلين يجرحانه:

وسئل: عن الشاهد يعدله رجلان، ويأتي المشهود عليه برجلين يجرحانه بأي ذلك يؤخذ؟ قال: ينظر في ذلك إلى الشهود أيهم أعدل، اللذان عدلاه أم اللذان جرحاه؟ قيل له: ألا ترى أن شهادة اللذين جرحاه أثبت؛ لأنهما علما ما لم يعلم الآخران؟ قال: لا، هذا رجل عدل أيقبل قولهما؟ ولكن يقال لهما: أي شيء تجرحانه به؟ فينظر في ذلك أمعروف مشهور ذلك؟ ولعل الذي يجرحانه به شيء قديم، وقال ابن نافع: إذا كان هذان اللذان يجرحانه عدلين فهما أولى ويسقط التعديل، وقال سحنون مثله.
قال محمد بن رشد: قول ابن نافع وسحنون: هو دليل ما في كتاب السرقة من المدونة ورواية عيسى عن ابن القاسم عن مالك، وفي المسألة قول ثالث حكاه صاحب المبسوطة عن مطرف وابن وهب، وهو أن التعديل أولى من التجريح، والتزكية بالفضل أولى من القول بالشر، وهذا الاختلاف إنما هو إذا لم يبين المجرحون الجرحة وتعارضت الشهادة في الظاهر بأن يقول المعدلون: هو عدل جائز الشهادة، ويقول المجرحون: هو مسخوط غير جائز الشهادة، فأما إذا بين المجرحون الجرحة فلا اختلاف أن شهادتهم أعمل من شهادة المعدلين وإن كانوا أقل عدالة منهم، ولكل قول منها وجه، فوجه القول بأنه يؤخذ بأعدل البينتين هو أن الشاهد المجهول الحال ليس بمحمول على الجرحة ولا العدالة، إذ لو حمل على العدالة لجازت شهادته دون تعديل، ولو حمل على الجرحة لما جازت شهادته وإن عدل؛ لأن المعدل لا يقطع أنه لا جرحة فيه، وإنما يشهد بما يظهر إليه من عدالته، وإن جرح ردت شهادته. فوجب إذا قال قوم: إنه عدل، وقال آخرون: إنه مسخوط- أن ينظر إلى أعدل البينتين، فإن استوتا في العدالة سقطتا، وبقي على ما كان عليه قبل الشهادة من التوقيف في أمره. ووجه القول أن شهادة المجرحين أعمل: هو أن المجرحين كأنهما قد زادا في شهادتهما؛ لأنهما علما منه ما لم يعلم المعدلون، وهذا هو أظهر الأقوال وأولاها بالصواب، ووجه القول بأن شهادة المعدلين أعمل: هو أن شهادتهم توجب حكما وهو قبول الشهادة، وشهادة المجرحين لا توجب حكما؛ لأن شهادة الشاهد المجهول الحال غير مقبولة حتى يُعَدَّل، فوجب أن تكون شهادة من أوجب الحكم أعمل من شهادة من نفاه، وبالله التوفيق.

.مسألة الشهادة بما في كتاب يزاد فيه شهود:

ومن كتاب الأقضية الثاني:
قيل: أرأيت إن أُتيت بكتاب، فقيل لي: اشهد فيه، وذهب بالكتاب يزاد فيه شهود، ثم أقام عني يوما أو يومين، ثم أتيت به أشهد فيه؟ فقال: أليس تعرف الكتاب؟ قال: بلى، قال له: فاشهد فيه.
قال محمد بن رشد: هذا بيّن على ما قاله؛ لأن الكتاب عرض من العروض يعرف بعينه إذا غيب عليه، فإذا عرف أنه هو بعينه شهد فيه، وإن شك لم يشهد، وإن كان إنما يعرفه بالخط فيدخل في ذلك من الخلاف ما دخل في الشهادة على خط المقر، وقد مضى بيان ذلك في رسم الشجرة من سماع ابن القاسم، والله الموفق.

.مسألة كيف يوقف الذي يشهد في ذكر الحق:

قال أشهب: وسئل مالك: كيف يوقف الذي يشهد في ذكر الحق؟ أيجزي عنه أن يقول هذه شهادتي أعرفها بخط يدي؟ فقال: يقال له: أتشهد أن حق هذا حق؟ فإما أن يقول إذا أشهد: إن هذه شهادتي بخط يدي، وإن هذا كتابي، فلا يقال له: إن كنت تحفظ شهادتك فاشهد أن حقه لحق، فإما أن تشهد أن هذا كتابه فلا، قال: مالك: وكان شريح القاضي إذا جاءه الشاهدان بشهادة، قال لهما: إني بشهادتكما أقضي أتشهدان الحق لهذا؟ فإذا قالا: نعم، أجاز شهادتهما.
قال محمد بن رشد: لم يجز مالك للشاهد في هذه الرواية أن يثبت الشهادة على الحق من جهة معرفته بالخط، ولا أجازها إن شهد على معرفة الخط ولم يثبت الشهادة، وهو الذي ذهب إليه شريح فيما حكى عنه مالك من قوله للشاهدين.
وقد اختلف في الوجهين جميعا، وقد مضى تحصيل القول في ذلك في رسم الشجرة من سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.

.مسألة شهدا في وصية أوصي لأحدهما فيها بستين دينارا وللآخر فيها بثوبين:

قال مالك، عن رجلين شهدا في وصية أوصي لأحدهما فيها بستين دينارا وللآخر فيها بثوبين، قال: أما الذي أوصي له بالستين فلا تجوز شهادته، وأما الذي أوصي له بالثوبين فإن كانا ثوبين لهما بال مرتفعين لم تجز شهادته أيضا إذا كان الشيء الذي له بال، وإن كان الشيء التافه اليسير فإنها جائزة، قيل له: فإن الذي أوصى له بالستين دينارا شهد في وصيته بعدما أحدثها الميت وأوصى فيها لناس ولم يوص فيها للشهداء بشيء، وقد أوصى لهم في الأولى، قال: ولا تجوز شهادتهما في الآخرة إذا كان قد أوصى لهم في الأولى، قيل له: إنه ليس لهما في الوصية الآخرة شيء، إنما وصيتهما في الأولى، فقال: لا تجوز شهادتهما في الآخرة كما لم تجز في الأولى، قيل له: إنه ليس لهما في الآخرة شيء، فقال: لكن في الأولى، فهو يقول أنا أشهد في أخرى، ثم في أخرى، قيل له: فإن الذي أوصى له بالثوبين معه شاهد عدل على تلك الوصية، فقال: إن كان الثوبان يسيري الثمن لا بال لهما، وكان الشاهد الذي معه عدلا فأرى الشهادة جائزة.
قال محمد بن رشد: قوله إن الذي أوصى له بالستين لا تجوز شهادته، وكذلك الذي أوصى له بالثوبين إن كانت قيمتهما مرتفعة يريد أنه لا تجوز شهادته لنفسه ولا لغيره، وهو المشهور من الأقوال، ويأتي على قياس قول أصبغ في نوازله في العبدين يشهدان بعد عتقهما أن الذي أعتقهما غصبهما من رجل مع مائة دينار، إن شهادتهما تجوز في المائة، ولا تجوز في غصب رقابهما؛ لأنهما يتهمان أن يريدا إرقاق أنفسهما أن تجوز شهادة الموصى له بالستين لغيره، ولا تجوز لنفسه.
وقوله: وإن كان الشيء التافه اليسير فإنها جائزة، يريد أن الوصية تثبت بشهادتهما ويأخذ هو ماله بغير يمين، فإن لم يكن على الوصية شاهد غيره حلف الموصى لهم مع شهادته أن ما شهد به من الوصية حق، فتثبت الوصية بشهادته مع أيمانهم، ويأخذ هو ماله فيها؛ لأنه يسير في حيز التبع لجملة الوصية، هذا معنى قوله، وهو مذهب ابن القاسم في المدونة، ورواية مطرف عن مالك في الواضحة، أن شهادته تجوز له ولغيره، وقد قيل: إن شهادته تجوز لغيره ولا تجوز لنفسه، فإن كان وحده حلف الموصي لهم مع شهادته، واستحقوا وصاياهم ولم يكن له هو شيء، وإن كان معه غيره ممن أوصى له فيها أيضا بيسير تثبت الوصية بشهادتهما لمن سواهما، فأخذوا وصاياهم بغير يمين، وحلف كل واحد منهم مع شهادة صاحبه فاستحق وصيته، وإن كان معه من لم يوص له فيها بشيء تثبت الوصية بشهادتهما لمن سواه وحلف هو مع شهادة صاحبه واستحق وصيته، وهو قول ابن الماجشون في الواضحة، وقيل أيضا: إن شهادته تجوز له ولغيره إن كان معه شاهد غيره، ولا تجوز له، وتجوز لغيره إن لم يكن معه شاهد غيره، فإن كان معه شاهد غيره ثبتت الوصية بشهادتهما، وأخذ هو ماله فيها بغير يمين، فإن لم يكن معه شاهد غيره حلف غيره مع شهادته واستحق وصيته ولم يكن له هو شيء، وهو قول يحيى بن سعيد في المدنية.
وفي المسألة قول رابع: إن شهادته لا تجوز لنفسه ولا لغيره لأنه يتهم في اليسير كما يتهم في غير الوصية، وهي رواية ابن وهب عن مالك في المدونة، وهذا كله إذا كانت الشهادة على وصية مكتوبة في كتاب، وللشاهد فيها وصية، وأما إن كان الموصي أشهد على وصية لفظا بغير كتاب، فقال: لفلان كذا ولفلان كذا، ولفلان كذا، والشاهد أحدهم، فإن كان الذي شهد به لنفسه يسيرا لم تجز شهادته لنفسه وجازت لغيره، وقد يقال: إنه لا تجوز شهادته لنفسه ولا لغيره بتأويل ضعيف، وأما إذا كان الذي شهد به لنفسه كثيرا فلا تجوز شهادته لنفسه باتفاق، ولا لغيره على رواية أشهب هذه؛ لأنه قال فيها: إن الذي أوصى له بالستين لا تجوز شهادته في وصية بعدما أحدثها الميت، وهو قول ابن المواز: إنها لا تجوز في الثانية، إلا أن يشهد أنه نسخ الأولى، وتجوز لغيره على قول مطرف وابن الماجشون في الواضحة.
وإذا جازت عندهما لغيره والوصية في مجلس واحد فأحرى أن تجوز لغيره في وصية أحدثها الميت بعد ذلك، وهو قول سحنون إن الشهادة إنما سقطت في الأولى بالظنة، فلا ينبغي أن تسقط في الثانية، خلاف رواية أشهب هذه، وبالله التوفيق.

.مسألة توهين الشهادة:

وسئل: أترى إذا شهد القوم عند القاضي وعدلوا أن يقول للذي شهدوا عليه دونك فجرح، فقال: إن فيها لتوهينا للشهادة، ولا أرى إذا كان عدلا أو عدل عنده أن يفعل، قال ابن نافع: أرى أن يقول ذلك للمشهود عليه، ويمكنه من التجريح؛ لأن الرجل ربما كان عدلا، فلعله أن يكون بينه وبين المشهود عليه عداوة أو ما أشبه ذلك.
قال الإمام القاضي: لم ير مالك للإمام أن يقول للمشهود عليه: دونك فجرح، لما في ظاهر قوله هذا من إغرائه بتجريحهم، وإنما الواجب أن يبيح له ذلك، ويمكنه منه بأن يقول له: قد شهد عليك فلان وفلان، فإن كان عندك ما تدفع بشهادتهم عن نفسك فجئ به وإلا حكمت عليك، ويعلمه بأن له أن يجرحهم إن كان ممن يجهله على ما قاله في كتاب السرقة من المدونة، وهذا ما لا اختلاف فيه، ولم ير ابن نافع قول القاضي للمشهود عليه دونك فجرح إغراء له بتجريحهم، فرأى أن يقول ذلك له على سبيل الإعلام بما يجب له من تجريحهم إن شاء، والتمكن له من ذلك، فحصل الخلاف بينه وبينه في جواز نص القول المذكور لا في شيء من معنى المسألة، والله أعلم.
ومن الدليل على ذلك أن في المجموعة لمالك مثل قول ابن نافع، وإذا كان الشاهد مبرزا في العدالة فلا يباح للمشهود عليه أن يجرحه بالإسفاه إن دعا إلى ذلك وإنما يباح له تجريحه بالعداوة والهجرة إذ قد يكون ذلك في الصالح البارز في الفضل والصلاح، قال ذلك أصبغ في الواضحة، وهو تفسير لقول من أجمل القول في ذلك كسحنون في نوازله وغيره من أصحاب مالك، وقد روي عن مالك: أنه لا يباح تجريح المبرز في العدالة بعداوة ولا غيرها وهو بعيد والله أعلم، ويجرح الشاهد بالعداوة من هو مثله وفوقه ودونه، واختلف في تجريحه بالإسفاه، فقال ابن الماجشون: لا يجرح به إلا من هو فوقه في العدالة، وهذا إذا نصوا في الجرحة على التجريح، وأما إن قالوا: هو غير عدل ولا جائز الشهادة فلا يجوز ذلك إلا للمبرزين في العدالة العارفين بوجوه التعديل والتجريح، وبالله التوفيق.

.مسألة الرجل يشهد أيجرح شهادته رجل واحد:

وسئل: عن الرجل يشهد أيجرح شهادته رجل واحد؟ قال: لا.
قال الإمام القاضي: هذا كما قال وهو مما لا اختلاف فيه أن الحاكم إذا أعذر إلى المشهود عليه في شهادة من شهد عليه فلا يجرحه إلا بشاهدين عدلين، وإنما يجرح بالواحد ويعدل به إذا كان الحاكم هو الذي يبتدئ بالسؤال فيسأل عن الشاهد من يثق به، قال ذلك ابن حبيب في الواضحة وحكاه أصبغ عن ابن القاسم وهو صحيح على أصولهم، واختلف إن أراد الشاهدان على الجرحة أن يشهدا سرا لما يجر ذلك من العداوة بينهما وبين المجرح، فقال ابن حبيب: لا تقبل الشهادة منهما إلا علانية لأنهما شاهدان، ولابد من الإعذار في شهادتهما إلى المشهود له الأول، وحكى ابن عبدوس عن ابن القاسم أن الشهادة تقبل منهما في السر لعلة العداوة، وهو قول سحنون، قال: التزكية علانية والتجريح سرا ولا آمرهم أن يسبوا الناس، وبالله التوفيق.

.مسألة امرأة حلفت بعتق رقيقها إن كلمت إنسانا سنة وكان عندها أربع نسوة:

ومن كتاب الأقضية الثالث:
وسئل: عن امرأة حلفت بعتق رقيقها إن كلمت إنسانا سنة، وكان عندها أربع نسوة، فقلن لها: إنك قد استثنيت في يمينك، فقالت: إلا أن أرى خيرا من رأيي هذا، أترى أن تكلمه؟ فقال: لا أدري ما قولهن لها، لا أرى لها أن تعمل بشهادتهن في ذلك، ولا أرى أن يقبل قولهن، ولا أرى أن تعمل بشهادتهن.
قال الإمام: قوله: لا أرى أن يقبل قولهن، ولا أن تعمل بشهادتهن إن كانت لا تخشى أن يحكم عليها بالعتق إن كلمته- استحسان، لا إيجاب؛ لأن قولهن لها قبل أن تكلمه إنما هو إخبار لا شهادة، فلها أن تعمل بما أخبرنها به إن كن عدولا، أو واحدة منهن، وإنما كان يكون قولهن شهادة لو قلن ذلك لها بعد أن كلمته ووجب عليها العتق بكلامه؛ لأن العتق إذا وجب لم يصح رده إلا بشهادة شاهدين عدلين، ويحتمل أن يريد بقوله: لا أرى أن يقبل قولهن ولا يعمل بشهادتهن مخافة أن تؤخذ بالعتق إن كلمته فلا تنتفع بشهادة النساء، وقد مضى في رسم الأقضية من سماع أشهب من كتاب النذور، وفي رسم العرية من سماع عيسى منه ما يشبه هذا المعنى ويؤيد تأويلنا في هذه المسألة، وبالله التوفيق.

.مسألة الرجل يؤتى بخط يده على شهادة ولا يذكر منها شيئا:

وسئل: عن الرجل يؤتى بخط يده على شهادة ولا يذكر منها شيئا.
قال: أرى أن يرفع شهادته إلى السلطان على وجهها، قيل له: يقول هذه شهادتي بخط يدي إلا أني لا أذكر من الشهادة شيئا، قال: بل يقول أرى كتابا يشبه كتابي، وأظنه إياه ولست أذكر شهادتي ولا متى كتبتها فيرفع شهادته على وجهها.
قيل له: أرأيت إن كان جلدا أبيض لا محو فيه ولا شيء، وعرف خطه؟ قال: إنه ربما ضرب على الخط والكتاب، فأرى أن يرفع شهادته إلى السلطان على وجهها.
قال محمد بن رشد: يريد ولا يحكم بها إذا رفعها على هذه الصفة كذا قال في المدونة إنه لا يحكم بها إذا رفعها على هذه الصفة وقد مضى القول على هذه المسألة مستوفى، فلا معنى لإعادة شيء من ذلك، وبالله التوفيق.

.مسألة امرأة تشهد بشهادة أيقبل في تزكيتها النساء:

وسئل: عن امرأة تشهد بشهادة، أيقبل في تزكيتها النساء؟ فقال: لا، في رأيي لا تقبل إلا تزكية الرجل.
قال القاضي مثل هذا في آخر سماع عيسى، وفي سماع سحنون، وفي كتاب الشفعة من المدونة أن النساء لا تقبل تزكيتهن في وجه من الوجوه لا فيما تجوز فيه شهادتهن، ولا فيما لا تجوز فيه، لا يزكين الرجال ولا النساء.
وإنما لم يجز أن يزكين الرجال فيما تجوز شهادتهن فيه على القول بأن شهادتهن جائزة فيما جر إلى المال، كالوكالة على المال وشبه ذلك؛ لأن الشاهد إذا زكي شهد في المال وغير المال فيئول ذلك إلى إجازة شهادتهن في غير المال، وقد قيل: إنهن يزكين الرجال إذا شهدوا فيما تجوز شهادتهن فيه، وهو قول ابن الماجشون، وابن نافع في المبسوطة.
وأما تزكيتهن النساء فكان القياس أن تجوز على قياس قول مالك بأن شهادتهن تجوز في الوكالات على الأموال وما جر إليها؛ لأن النساء إذا زكين لا يشهدن على عتق ولا طلاق فلا تئول تزكيتهن النساء إلى إجازة شهادتهن فيما لا تجوز فيه شهادة النساء على حال، والفرق عنده بين الموضعين أن التزكية يشترط فيها التبريز في العدالة، وهي صفة تختص بالرجال لنقصان مرتبة النساء في الشهادة، إذ جعلت شهادة امرأتين كشهادة رجل واحد، ولم تجز في عتق، ولا طلاق، ولا نكاح، ولا حد، وبالله التوفيق.

.مسألة حكم شهادة النساء في الارتجاع:

وسئل: عن شهادة النساء في الارتجاع، أتجوز؟ قال: لا.
قال القاضي: وهذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه؛ لأن الارتجاع من ناحية النكاح، وشهادتهن في النكاح لا تجوز، وبالله التوفيق.

.مسألة امرأة أشهدت على رقيق لها أنهم صدقة على ابنتها:

وسئل: فقيل له: إن امرأة دعتنا فشهدتنا على رقيق لها أنهم صدقة على ابنتها، وكتبنا شهادتنا على أنها أمانة عندنا بأمانة الله، لا نشهد بها أبدا ما دامت حية حتى تموت، فشهدنا على ذلك، وكتبنا شهادتنا على أنها أمانة فاحتاجت إلى تلك الشهادة ابنتها التي كانت الصدقة عليها. أترى لنا أن نقوم بها؟ قال: أراها قد قالت لكم لا تشهدوا بها حتى أموت، وهذه الشهادة لا تنفع ابنتها، فقيل: لا تنفع ابنتها، قال: لا.
قال محمد بن رشد: تكررت هذه المسألة في كتاب الصدقات والهبات، والمعنى في بطلان هذه الشهادة بين؛ لأنها لما تصدقت بالرقيق على ابنتها وأبت من الإشهاد لها إلا على هذا الشرط، دل على أنها لم ترد أن تبتلها لها في حياتها وإنما أرادت أن تصيرها إليها بعد موتها من رأس مالها: وذلك لا يحل لها ولا لابنتها، إذ ليس لها بعد موت أمها من مالها إلا ما فرضه الله لها من ميراثها، فلا يحل للشاهد أن يقوم بهذه الشهادة ولا يشهد بها في حياتها ولا بعد وفاتها، والله الموفق.

.مسألة الرجل يشهد له الرجل والمرأة على أنه وارث أيحلف مع الشهادة:

وسئل: عن الرجل يشهد له الرجل والمرأة على أنه وارث فلان لرجل قد مات، أيحلف مع شهادتهما ويكون له الميراث؟ فقال: يستأني بمثل هذا حتى يأتي ببينة ويطلب، قيل له: فإذا طلب فلم يجد إلا هذين، أترى أن يحلف معهما ويكون ذلك له؟ قال: نعم، ذلك له أن يحلف ويكون ذلك له، قال أشهب: سمعت المسألة كلها، وجواب مالك إلا قول السائل يشهد أنه وارث فلان فإني لم أسمعه، فأخبرني السائل وغيره أنه هكذا سأل.
قال أشهب: وإنما يحلف الرجل في مثل هذا مع الشاهد الواحد، والشاهد والمرأة إذا كان نسبه قبل ذلك ثابتا لازما لهذا الهالك، فيكون هذا الشاهد يشهد أنه وارثه لا يعلم له وارثا غيره، فيحلف مع شهادته، ويكون ذلك له؛ لأنه إنما يشهد له على مال، ولم يشهد له على نسب، وأما لو شهد له على نسب لم يثبت له، ولم تجز له شهادته أبدا، ولو شهد مع الشاهد مائة امرأة؛ لأنه لا تجوز شهادة الرجل الواحد في الأنساب ولا شهادة النساء.
قال محمد بن رشد: قول مالك إنه يحلف مع شهادة الرجل والمرأة، ويستحق الميراث وإن لم يثبت له النسب بعد الاستيناء واليأس من أن يجد شاهدا آخر يثبت له به النسب هو مثل قوله في كتاب الشهادات من المدونة، وكتاب الولاء والمواريث منها في الميت يدعي رجل أنه مولاه ويأتي على ذلك بشاهدين على السماع، أو بشاهد واحد على أنه مولاه أعتقه- أنه يحلف مع الشاهد الواحد أنه أعتقه، أو مع الشاهدين على السماع، فَيُقْضَى له بالمال بعد الاستيناء، ولا يجر بذلك الولاء وذهب أشهب إلى أنه لا يقضي له بالمال إلا بعد ثبوت النسب أو الولاء وإلى أن الولاء يثبت بشهادة السماع، هذا قوله في كتاب الولاء والمواريث من المدونة، فقوله هاهنا وإنما يحلف الرجل في مثل هذا مع الشاهد الواحد، والشاهد والمرأة إلى آخر قوله هو على أصله، وقياس قوله خلاف لقول مالك المتقدم في هذه الرواية، وخلاف لقول ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة، وبالله التوفيق.

.مسألة كتب القضاة يقدم عليها بشهادة قوم يشهدون إنا لا نعلم لفلان وارثا إلا فلانا:

ومن كتاب الأقضية لابن كنانة:
وسأل ابن كنانة مالكا: عن كتب القضاة يقدم عليها بشهادة قوم يشهدون إنا لا نعلم لفلان بأرض مصر وارثا إلا فلانا، وذلك الميت مات بإفريقية، قال: اكتب إليه لا تجوز شهادتهم إلا أن يقولوا: نشهد إنا لا نعلم لفلان وارثا من الناس في شيء من الأرض إلا فلانا وفلانا، فيدفع ذلك إليه نفسه ويستحلف، ولا أرى أن يدفع ذلك إلى وكيله إذا قدم عليهم بالمغرب.
قال محمد بن رشد: قوله إن شهادتهم لا تجوز إلا أن يقولوا نشهد أنا لا نعلم لفلان وارثا من الناس في شيء من الأرض إلا فلانا صحيح؛ لأن في قولهم لا نعلم له وارثا بأرض مصر إلا فلانا دليلا أنهم يعلمون له وارثا سوى فلان في غير أرض مصر، فإذا شهدوا أنهم لا يعلمون له وارثا من الناس في شيء من الأرض إلا فلانا، وأنهم لا يعلمون له وارثا إلا فلانا ولم يقولوا في شيء من الأرض صحت الشهادة، ووجب أن يدفع إليه ميراثه، قال في الرواية: ويستحلف، قيل: على البت في الموضع الذي شهد فيه الشهود على العلم، قياسا على يمين المستحق ما باع ولا وهب، من أجل أن الشهود إنما شهدوا بذلك على العلم، فيقول في يمينه: بالله الذي لا إله إلا هو ماله وارث غيري، أو ماله وارث غيري في شيء من الأرض، ولما وجب عليه اليمين على هذا لم ير أن يدفع المال إلى وكيله حتى يكتب إلى موكله، فيحلف في الموضع الذي هو فيه.
وفي نوازل عيسى من كتاب الوكالات بيان هذا، والذي أقول به: إنه لا يحلف إلا على العلم، فيقول: بالله الذي لا إله إلا هو ما نعلم له وارثا غيري، إذ لا يصح له القطع على أنه ليس له وارث غيره.
وقد قال ابن دحون: قوله: ويستحلف- حرف سوء حائل، كيف يستحلف من شهد له أكثر من واحد على ميراث، وقالوا في شهادتهم: لا نعلم له وارثا من الناس في شيء من الأرض إلا فلانا، لا اختلاف أنه لا يحلف مع بينته، وقوله لا يدفع ذلك إلى وكيله قول حائل، كيف لا يوكل من له مال غائب على قبض ماله، لا اختلاف في جواز ذلك إذا أثبت الوكالة على سنتها قبض الوكيل مال الموكل من ميراث كان أو غيره.
قال محمد بن رشد: وإنكار ابن دحون اليمين، وقوله لا اختلاف أنه لا يحلف مع بينته ليس ببين لأن لإيجاب اليمين عليه وجها ظاهرا وذلك أنه لو ادعى أحد أنه وارثه، وادعى عليه أنه يعلم ذلك للزمته اليمين أنه ما يعلم أنه وارثه باتفاق، ولو لم يدع عليه العلم بذلك للزمته اليمين على اختلاف في لحوق يمين التهمة، فلما كانت اليمين تجب عليه لو ادعى ذلك أحد عليه كان من تمام الحكم إيجاب اليمين عليه بذلك كيمين الاستحقاق، ومن أثبت دينا على غائب أو مفلس لا يقضي له به إلا بعد اليمين يحلف في الاستحقاق أنه ما باع ولا وهب، وفي الدين أنه ما قبض ولا أحال ولا وهب، والذي جرى به العمل ألا يمين في ذلك، ولا وجه لما أنكر أيضا من قول مالك: لا يدفع ذلك إلى وكيله إذا قدم عليه بالمغرب؛ لأنه لم يرد أن الوكالة لا تصح في ذلك، ولا يجب له القبض بها، وإنما أراد أنه لا يدفع إليه المال حتى يحلف موكله بما وجب عليه به اليمين حسبما ذكرنا، وبالله التوفيق.

.مسألة شهادة الرجل على من لا يعرف:

وسئل مالك: أترى أن يشهد الرجل على من لا يعرف؟ قال: إن أحب إلي ألا يفعل، وإن الناس يشهدون بكون بعضهم يعرفه وفي ذلك بعض السعة.
قال الإمام القاضي: أما إذا أشهد الرجل على نفسه جماعة يعرفه بعضهم، فلمن لا يعرفه منهم أن يضع شهادته عليه، وهو من ذلك في سعة إذ قد أمن بمعرفة بعضهم له أن يكون تسمى باسم غيره، وأما إذا لم يكن يعرفه أحد منهم فيكره لهم أن يضعوا شهادتهم عليه في الكتاب، مخافة أن يكون قد تسمى باسم رجل غيره، فيقر أنه قد باع داره من هذا، أو يقر له على نفسه بحق فيكتبون شهادتهم عليه، فيشهد على خطوطهم بعد موتهم فتجوز الشهادة، وتؤخذ الدار من صاحبها، أو الحق بغير حق، قال ذلك مطرف، وابن الماجشون، وأصبغ.
وذلك على مذهب من يجيز الشهادة على خط الشاهد، وقد مضى الاختلاف في ذلك في رسم الشجرة من سماع ابن القاسم.
وقد قال ابن عبدوس: يخشى في ذلك أن يجد الرجل شهادته في كتاب على من لا يعرف ويكون الشاهد قليل المعرفة، فيقول: أشهد على ما في الكتاب، والعلة الأولى هي الصحيحة؛ لأنه وإن كان ممن لا يجهل أنه لا يجوز له أن يشهد على خطه، وهو لا يعرف عين الذي أشهده فلا يأمن أن يموت فيشهد على شهادته، وهو لا يعرف عينه، وإذا كتب الرجل شهادته على من لا يعرفه بالعين والاسم فلا يصح له أن يشهد بها بعد موته، ولا يؤدي إلا في حياته على عينه، وكذلك لا يشهد على شهادته بها إلا على عينه، وهذا كله مما لا اختلاف فيه، فإن علم أنه لا يقف على عين المشهود له إذا غاب عنه فهي شهادة لا منفعة فيها، وإنما تسامح العلماء والخيار في موضع شهادتهم على من لا يعرفونه بعين ولا اسم سياسة منهم في نفع العامة، ولئلا ينهوهم على وَهْنِ شهادةِ مَنْ أوقع شهادته على من لا يعرف، فيجترئون على جحد الحقوق المنعقدة عليهم، إذا علموا أن الشهادة عليهم لا تصح إذا أنكروا، ففي جهلهم بالحقيقة في ذلك صلاح عظيم، وتحصين للحقوق؛ لأن المشهود عليه يهاب الوثيقة ويسبق إليه أن كلهم يشهد عليه إن جحد فيقر ولا يجحد، قال ابن القاسم في المجموعة: وإذا دعا الرجل ليشهد على امرأة لا يعرفها ويشهد عنده رجلان أنها فلانة فلا يشهد، قال في سماع حسين بن عاصم في بعض الروايات: لا يشهد إلا على شهادتهما، وقال ابن نافع فيه: أن يشهد، وذكره عن مالك.
قال القاضي: والذي أقول به: إنه إن كان المشهود له أتى بالشاهدين ليشهد له عليها بشهادتهما عنده أنها فلانة فلا يشهد إلا على شهادتهما، وإن كان هو سأل الشاهدين فأخبراه أنها فلانة فليشهد عليها، وكذلك لو سأل عن ذلك رجلا واحدا يثق به أو امرأة لجاز له أن يشهد، ولو أتاه المشهود عليه بجماعة من لفيف النساء فشهدن عنده أنها فلانة لجاز له أن يشهد إذا وقع له العلم بشهادتهن، فهذا وجه القول في هذه المسألة، وبالله التوفيق.